" قتل الوقت" هذه عبارة عربية، ولا يمكن أن يفهمها الإنجليزي: إنهم يقولون تمضية الوقت، وكسب الوقت، ولا يقولون قتل الوقت، لأنهم لا يقتلونه. نحن في مصر الذين نحب قتله، وله عندنا مذابح ومسالخ تسمى المقاهي، نجلس إليها طوال النهار أو الليل بفنجان قهوة واحد وأمامنا حجر الطاولة نلقى به في ضجة وعنف فكل رمية حجز منها تنصيب جبين الوقت بنطحة ومع ذلك فأنا ما كرهت في لندن شيئا مثل خلوها من المقاهي، فهي لا تعرف غير أماكن الشاي المغلقة يتناول فيها الناس الشاي أو القهوة مع وجبة خفيفة ثم ينطلقون في الحال إلى شؤونهم.
وأنا أفضل باريس، لأن فيها، كما يقولون، بين المقهى والمقهى مقهى، وكل المقاهي فيها على الأرصفة وحتى عندما يهطل المطر في الشتاء، ويشتد البرد، فإن الكراسي والموائد تظل باقية في الشوارع، وتحاط بحواجز من الزجاج وتدفأ بمدافئ توضع بين الجالسين المستمتعين بمشاهد الطريق، كل الفرق هو أن الجالس هناك لا يبقى جاثما وقتا طويلا، إن حركة الحياة اليوم هناك لا تسمح له بذلك.
وكل نصف ساعة يتغير النادل ويأتي آخر جديد لا يعترف بالطلب السابق، و لابد أن تطلب منه طلب جديد، فالجلوس طوال النهار بفنجان قهوة واحد شيء غير معروف، وإذا خطر لك أن تكتب أو تؤلف في مقهى فإن ثمن المقال أو أجر التأليف سيذهب مقدما في جيب صاحب المقهى. ولكن هذا، ولا شك، لم يكن معروفا علي هذا النحو فيما مضى، يوم كان الطيران مجهولا، والسياحة الكبرى لا ترحم باريس بملايين الوافدين، في تلك الأيام الخوالي.
وقد حضرتها في عشرينات هذا القرن- كانت المقاهي مهبط وحي الأدباء والشعراء والفنانين في باريس، فيها يتحدثون ويتجادلون ويؤلفون...
ولو كان الجلوس في المقاهي يومئذ يكلفهم ما يكلف الجالس اليوم، ليهربوا بجلودهم، أو على الأصح بأدمغتهم العامرة وجيوبهم الفارغة، و لكن مقاهي باريس كان لها فضل كبير في تاريخ الفكر والفن، وهي تستحق أن توضع فيها رسالة دكتوراه، إن لم تكن قد وضعت في موضوعها بالفعل أكثر من رسالة، ما سر المقاهي على الأدباء والفنانين؟... لا أدري، على الرغم من الإغراء والاجتماع في النوادي، فإن الاجتماع في المقهى شيء آخر، وأنا شخصيا من أولئك الذين كان للمقهى أثر في حياتهم.
لذلك كان أول ما لفت نظري في لندن، عدم وجود مقهى، واشتدت حيرتي عندما طلب بعضهم ممن عرف بوجودي أن يلتقي بي، فلم أعرف أين يكون اللقاء. كل شيء في لندن يتركز في الداخل: داخل البيت، أو داخل مكان خاص.
توفيـق الحكيـم
ثورة الشباب
المجتمع اليوم مليء بمجرمين اختالوا وقت عمرهم عن سابق اصرار وترصد.
أكنت في يوم من الأيام واحد منهم ؟
وما لسبب الذي دفعك لذلك ؟
كيف يمكن محاربة هذه الأفة في عصر ومجتمع يشجع على هذه الجريمة ؟
مساحة مفتوحة .